[ad_1]
تأثيرات عملية تطبيع العلاقات السورية مع السعودية وتركيا محدودة على كافة المستويات، بقلم جوزيف ضاهر (حقوق الصورة: Getty Images)
على خلفية الحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، عادت عملية التطبيع التي ينتهجها نظام بشار الأسد في سوريا إلى الواجهة من خلال حدثين وقعا مؤخراً.
أولاً، تم افتتاح السفارة السعودية في دمشق في سبتمبر 2024، بعد عدة إعلانات فاشلة. وأكد القائم بالأعمال عبدالله الحارس خلال حفل الافتتاح التزام سفارة المملكة بتعزيز وبذل كل الجهود لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي الشهر نفسه، شاركت تركيا للمرة الأولى في اجتماع للجامعة العربية منذ سبتمبر/أيلول 2011. ورغم أن وفد الحكومة السورية، بقيادة وزير الخارجية فيصل المقداد، انسحب من اجتماع مجلس الجامعة العربية في القاهرة عندما أُعلن عن كلمة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، فإن دمشق، مثل جميع الدول العربية الأخرى، كانت قد وافقت في البداية على المشاركة التركية في هذا الاجتماع.
وقبل ذلك، تعهد بشار الأسد أمام مجلس الشعب بدمشق في أغسطس/آب 2024 بمواصلة عملية المصالحة مع تركيا.
إن عملية التطبيع الإقليمي في سوريا لا تزال مستمرة، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات التي تعترض تعزيز العلاقات مع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وتركيا.
دوافع تركيا والسعودية للتطبيع مع سوريا
وكان قرار الرياض بإعادة تأهيل دمشق مبدئياً في عام 2023 مرتبطاً بأهداف وطنية وديناميكيات إقليمية تتعلق بأولويات المملكة الأمنية والسياسية والاقتصادية.
أولا، تسعى المملكة العربية السعودية إلى الحد بشكل كبير من تهريب الكبتاجون، الذي توسع إنتاجه في سوريا بشكل كبير بعد عام 2011، حيث تعد الرياض أكبر سوق للمخدرات، ويستهلكه بشكل خاص شبابها.
وثانياً، والأهم من ذلك، كانت عملية التطبيع نتيجة لاستراتيجية المملكة العربية السعودية السياسية المتطورة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الإقليمية.
لقد فشلت السياسة الخارجية العدوانية التي تبناها محمد بن سلمان، والتي تتجسد في الحرب المميتة التي بدأت ضد اليمن في عام 2015 والضغوط القصوى على إيران وحلفائها في المنطقة. وتبين أن هذه السياسة مكلفة سياسيا للغاية ومضرة بمشروع المملكة العربية السعودية لإصلاح الاقتصاد. ولذلك حاولت المملكة العربية السعودية إقامة علاقات أكثر ودية مع جيرانها والسعي بشكل عام إلى شكل من أشكال الاستقرار الاستبدادي في المنطقة.
وأخيرا، فإن إعادة توجيه السياسة الخارجية السعودية ترتبط في المقام الأول بضرورة تركيز المملكة على الإصلاحات الاقتصادية وأهداف رؤية السعودية 2030.
ومن الجانب التركي، كان تحرك أنقرة نحو المصالحة مع دمشق، والذي تم على خلفية التقارب السياسي الأوسع مع الجهات الفاعلة الإقليمية العربية الأخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية، مدفوعاً بهدفين رئيسيين.
أولا، سعى أردوغان إلى كسب الأصوات قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2023 من خلال تسريع العودة القسرية للاجئين السوريين إلى سوريا.
ومنذ ذلك الحين، تصاعدت بشكل مستمر الهجمات والحملات العنصرية العنيفة ضد السوريين في تركيا، وقامت الحكومة التركية بترحيل عشرات الآلاف منهم.
أما الدافع الآخر وراء التقارب التركي مع سوريا فهو تصميمهما المشترك على إنكار التطلعات الكردية للحكم الذاتي وبشكل أكثر تحديدًا الحكم المستمر للإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، والتي تمثلها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
وتنظر الحكومة التركية إلى وحدات حماية الشعب باعتبارها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي صنفته تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.
تقدم ضعيف
لكن عودة العلاقات والاتصالات بين دمشق من جهة والرياض وأنقرة من جهة أخرى ما زالت تنتظر أن تشهد تحسناً كبيراً وملموساً في المجالات السياسية والاقتصادية.
ولم تؤد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وتطبيع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية إلى زيادة أو توسيع كبيرين في التبادلات السياسية والاقتصادية بين دمشق والرياض. ولم تطرأ سوى تطورات طفيفة للغاية على العلاقات السعودية السورية.
ورغم استئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين الرياض ودمشق في يوليو/تموز بعد انقطاع دام أكثر من 12 عاما، فإن الآثار الاقتصادية لعملية التطبيع لا تزال محدودة، إذ لم يؤسس مستثمرون سعوديون سوى شركة واحدة في سوريا في عام 2024.
وفي العام الماضي، أسس مستثمرون سعوديون خمس شركات، وفي عام 2022 أربع شركات، وكان حجم التجارة بين سوريا والمملكة العربية السعودية قد ارتفع بالفعل قبل عملية التطبيع، من 92.35 مليون دولار في عام 2017 إلى ما يقرب من 431 مليون دولار في عام 2022.
وكان السبب الرئيسي وراء هذا النمو إعادة فتح معبر نصيب-جابر الحدودي مع الأردن، بوابة سوريا إلى الخليج، في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وظلت المملكة العربية السعودية واحدة من أسواق التصدير الرئيسية لسوريا في عام 2023، وخاصة المنتجات الغذائية. ومع ذلك، فإن القيمة الإجمالية للتجارة بعيدة كل البعد عن مستوى ما قبل الحرب البالغ 1.33 مليار دولار في عام 2010.
اشترك الآن واستمع إلى بودكاستنا على
وعلى المستوى السياسي، تم اتخاذ خطوات صغيرة لتعزيز العلاقات بين الرياض ودمشق، حيث أعيد فتح السفارة السورية في السعودية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد وصول القنصل العام السوري إحسان رامان إلى المملكة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، حضر بشار الأسد القمة العربية الإسلامية المشتركة بشأن غزة في الرياض. وبعد شهر واحد في ديسمبر/كانون الأول 2023، تم تعيين السيد أيمن سوسان سفيراً جديداً لسوريا في المملكة العربية السعودية، وأعلنت وزارة الخارجية والمغتربين السورية عن بدء أعمال السفارة السورية في الرياض.
وفي الشهر نفسه، زار وزير الأوقاف السوري الدكتور محمد عبد الستار السيد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة.
وأدى ذلك إلى اتفاق بعد أسابيع قليلة في يناير/كانون الثاني 2024 بين وزارة الأوقاف السورية ووزارة الحج السعودية للسماح لدمشق بتولي شؤون الحج والعمرة لعام 2024 أيضاً.
ولم يقتصر هذا الاختصاص على المعارضة السورية فقط، كما كان الحال منذ العام 2013.
من جهتها، اتخذت تركيا عدة إجراءات اعتبرت جزئياً بمثابة قرارات في إطار التقارب السياسي مع النظام السوري.
في نهاية شهر حزيران/يونيو 2024، أعيد فتح معبر أبو الزندين الذي يربط بين مناطق الحكومة السورية المؤقتة ومناطق النظام.
ورغم أن التجارة لم تتوقف تماما، فقد ظلت تتم عبر وسطاء التهريب، ومن الممكن أن يؤدي استئناف التجارة الرسمية إلى جعل التجارة أكثر سلاسة.
وبالإضافة إلى ذلك، بعد بضعة أشهر، في سبتمبر/أيلول، فرض المسؤولون الأتراك على السوريين المقيمين في الخارج الذين يريدون العبور من تركيا إلى إدلب التي تسيطر عليها المعارضة عبر معبر باب الهوى الحدودي، أن يكون لديهم جواز سفر سوري ساري المفعول صادر عن دمشق بصلاحية شهرين.
وفي 21 سبتمبر/أيلول، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه طلب لقاء بشار الأسد على هامش محادثات الأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع لتطبيع العلاقات.
الوصول مقيد
ورغم اللقاءات بين وزيري الدفاع والخارجية في البلدين، إلى جانب مسؤولين من الأمن والمخابرات، فإن التطبيع مع الحكومة التركية ظل محدودا، وركز في المقام الأول على التعاون الأمني والاتفاقيات.
وفي منتصف يوليو/تموز، صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن “تركيا يجب أن تتعاون مع النظام السوري في قضايا مثل أمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، والعودة الآمنة للاجئين”.
لكن النظام السوري غير قادر على تلبية مصالح أنقرة، إذ تصر دمشق على أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في العلاقات مع تركيا دون انسحاب الوجود العسكري التركي في سوريا أو على الأقل التوصل إلى اتفاق في هذا الاتجاه.
في هذه الأثناء، تشعر أنقرة بالإحباط من عجز دمشق عن تسهيل عودة اللاجئين السوريين وتحدي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وتفكيكها.
وفي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت الرئاسة التركية أنه لا توجد اتفاقات محددة حتى الآن بشأن موعد أو مكان لقاء بين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد.
ومن ثم فإن آثار عملية تطبيع العلاقات بين سوريا والمملكة العربية السعودية وتركيا محدودة على كافة المستويات.
وترتبط التحديات التي تواجه تقدم عملية التطبيع بين الرياض ودمشق بقضايا متعددة، بدءاً من عدم قدرة النظام السوري على التعامل مع القضايا الأمنية المتعلقة بحركة الكبتاجون، والوجود المستمر للعقوبات، والأزمة الاقتصادية في سوريا، والديناميكيات الإقليمية، وخاصة تلك المرتبطة بالعلاقات الإيرانية السعودية.
وفي حالة تركيا، فإن النظام السوري ضعيف للغاية سياسيا واقتصاديا وعسكريا بحيث لا يستطيع ممارسة أي نفوذ في الشمال.
وترى دمشق أيضاً أن عودة ملايين اللاجئين تشكل تهديداً سياسياً وأمنياً، فضلاً عن كونها تشكل عبئاً اقتصادياً إضافياً لا يمكنها تحمله.
وعلى الرغم من الإشارات والمواقف التي تتخذها أنقرة والرياض، فإن نظام الأسد السوري ما زال أمامه طريق طويل ليقطعه قبل أن يحظى بالاعتراف في مختلف أنحاء المنطقة. وفي حالة تركيا والمملكة العربية السعودية، ظلت كل منهما حذرة إلى حد كبير، وقصرت تطبيع العلاقات بينهما على المجال الدبلوماسي. وكان التقدم السياسي والاقتصادي متواضعا، على أقل تقدير. وبدون دعم مادي واقتصادي وسياسي أعمق، سيظل نظام الأسد السوري معزولا ومنبوذا في الوقت الراهن، عاجزا عن التخلص من وضع نظامه المنبوذ.
جوزيف ضاهر أستاذ في جامعة لوزان بسويسرا، وأستاذ مشارك في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا بإيطاليا، حيث يشارك في مشروع مسارات سورية. وهو مؤلف كتاب “سوريا بعد الانتفاضات، الاقتصاد السياسي لقدرة الدولة على الصمود”.
تابعوه على تويتر: @JosephDaher19
هل لديك أسئلة أو تعليقات؟ راسلنا على البريد الإلكتروني: editorial-english@newarab.com
الآراء الواردة في هذه المقالة تظل آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة آراء العربي الجديد أو هيئته التحريرية أو العاملين فيه.
[ad_2]
المصدر