[ad_1]
ويقول صبري القط، وهو سباك مصري يبلغ من العمر 45 عاماً، إنه يفضل الموت على مغادرة المنزل الذي ولد فيه هو وأطفاله.
وقال صبري لـ”العربي الجديد”: “هذا المنزل يعني لنا كل شيء: ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. إنهم يضغطون علينا بشدة ويقدمون لنا المال، لكننا لن نتركه أبدا”.
ويتواجد صبري في قلب صراع متصاعد مع الحكومة المصرية بشأن جزيرة الوراق، التي أصبحت محل اهتمام في الوقت الحالي.
ويشارك سكان الوراق، ومنهم صبري، في هذا النضال ضد خطة حكومية بملايين الدولارات تهدف إلى تحويل الجزيرة إلى مركز عقاري ساخن.
وتتضمن الخطة بناء أبراج سكنية وفنادق ومعالم سياحية ومراكز تجارية، ولكنها تتطلب إخلاء سكان الجزيرة البالغ عددهم 100 ألف نسمة ــ وهي الخطوة التي يصرون على مقاومتها.
فرصة مربحة لمطوري الأراضي
تعد جزيرة الوراق الأكثر موقعًا استراتيجيًا بين 144 جزيرة على نهر النيل في مصر، حيث تغطي مساحة تبلغ حوالي 1000 فدان وتقع على بعد كيلومترات فقط من وسط القاهرة.
يعيش سكان الجزيرة في ظروف بسيطة، ويعتمدون على الزراعة وصيد الأسماك في معيشتهم. ويتميز نمط حياتهم الريفي بمنازل بسيطة وشوارع مليئة بالنفايات في كثير من الأحيان.
ورغم أن الجزيرة تقع في قلب نهر النيل، المصدر الرئيسي لمياه الشرب في مصر، فإنها تفتقر إلى أنظمة الصرف الصحي الحديثة والمياه النظيفة، كما أن وسائل النقل فيها تقتصر على المركبات ذات الثلاث عجلات وعربات الحمير.
امرأة مصرية تقف أمام منزل مدمر في جزيرة الوراق (جيتي)
ورغم أن الجزيرة بسيطة نسبيا، فإن موقعها الاستراتيجي جذب مطوري العقارات الذين يرون فيها استثمارا مربحا، ويخططون لمشاريع تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. لكن خطط التطوير هذه أثارت جدلا كبيرا.
وانتقد شريف الهلالي رئيس المؤسسة العربية للمجتمع المدني وحقوق الإنسان المبادرة ووصفها بأنها مخطط لتهجير سكان الجزيرة قسراً.
وأضاف الشريف لـ«العربي الجديد» أن «هذه ليست خطة تنمية حقيقية، بل مخطط لتهجير سكان الجزيرة».
وفي أوائل يوليو/تموز، وقعت شركة مرتبطة بالإمارات العربية المتحدة صفقة بقيمة 500 مليون دولار مع مقاول محلي لبناء ثلاثة أبراج سكنية وفندق خمس نجوم بالقرب من الجزيرة.
ويخشى شريف وغيره من المدافعين عن حقوق السكن من توقيع المزيد من الصفقات المماثلة.
النمو الذي يهمش الفقراء
إن مشروع الوراق هو جزء من سلسلة أوسع من المبادرات التي تهدف إلى تحويل مصر. وتشمل هذه الجهود إنشاء مجتمعات حضرية جديدة، وتطوير شبكات الطرق الواسعة والعديد من الجسور العلوية، وتحديث كبير للريف، وبناء عاصمة جديدة في الصحراء، باستثمارات تصل إلى مليارات الدولارات.
تهدف هذه التطورات إلى تحسين حياة الملايين من الناس من خلال تسهيل النقل، وتحسين جودة الطرق، واستبدال الأحياء الفقيرة غير الآمنة.
لكن المنتقدين يزعمون أن هذه المشاريع تفرض ضغوطاً على مالية الحكومة، وتترك موارد محدودة للواردات الأساسية، مما قد يؤدي إلى دخول مصر في أزمة اقتصادية تتطلب قروضاً دولية.
وعلاوة على ذلك، يزعم المنتقدون أن هذه المبادرات تدمر المواقع التاريخية، وتشرد السكان، وتفيد الأثرياء بشكل غير متناسب في حين تهمش المجتمعات الأكثر فقراً. على سبيل المثال، تم نقل السكان في مناطق مثل مثلث ماسبيرو في القاهرة، ومدبغة مصر القديمة في جنوب القاهرة، والمكس في الإسكندرية لإفساح المجال أمام مشاريع التنمية المخصصة للسكان الأثرياء.
طفلان مصريان يقفان أمام منزل مدمر في جزيرة الوراق (جيتي)
وفيما يتعلق بمشروع الوراق، وعدت الحكومة بتقديم تعويضات مالية عادلة لسكان الجزيرة.
وقال ممثل الوراق في مجلس النواب أسامة الأشموني إن الحكومة تقدم “خيارات تعويض عادلة” تشمل شقق مفروشة بالكامل في الأبراج الجديدة، أو سكن مماثل في أماكن أخرى، أو قطع أراض.
وأضاف أسامة لـ«العربي الجديد» أن «الحكومة لا تجبر السكان على الرحيل، بل تهدف إلى تقديم تعويضات عادلة».
«إن تطوير الجزيرة من شأنه أن يحولها إلى وجهة سياحية واستثمارية بارزة بفضل موقعها المتميز».
ورفض مسؤول كبير في محافظة الجيزة التي تشرف على الجزيرة التعليق على النزاع المستمر مع السكان.
“عقاراتنا ليست مجرد طوب وأسمنت”
وتتأثر إجراءات الحكومة بشأن جزيرة الوراق بعدة قرارات وزارية، ففي عام 1998 تم تصنيف الجزيرة كمحمية طبيعية، وفي عام 2018 أصدر رئيس الوزراء الأسبق شريف إسماعيل قرارًا بإنشاء مجتمع عمراني جديد على الجزيرة.
وتستند الجهود الحالية لإخلاء السكان وتعويضهم إلى هذا المرسوم الصادر عام 2018. وقد أدى هذا إلى معارضة شديدة من جانب السكان، الذين يخشون أن تتحول الاشتباكات مع الشرطة التي تنفذ أوامر الإخلاء إلى أعمال عنف. ويزعم العديد من السكان أنهم يعيشون في الجزيرة منذ عقود ويمتلكون دليلاً قانونيًا على ملكيتهم.
ويعد صبري، الذي ولد والده على الجزيرة عام 1952، من بين أولئك الذين يتحدون أوامر الهدم والإخلاء بالوسائل القانونية. وينظم صبري، إلى جانب سكان آخرين، احتجاجات سلمية لمنع الشرطة من دخول الجزيرة ــ وهو عمل نادر من أعمال المقاومة في مصر المعاصرة.
وقد حظيت معارضتهم السلمية بدعم من المجتمع المدني المصري وبعض الجماعات السياسية، وأوضح صبري أنه لن يغادر منزله مهما كانت الظروف.
ويقول صبري “إنهم يعتقدون أن بإمكانهم تعويضنا بتوفير مساكن بديلة أو أراض في مكان آخر”.
“ممتلكاتنا ليست مجرد طوب وأسمنت أو طين، بل هي حياتنا وذكرياتنا وذكريات أسلافنا.”
عمرو إمام صحفي مقيم في القاهرة، وقد ساهم في صحيفة نيويورك تايمز، وسان فرانسيسكو كرونيكل، والمجلة.
[ad_2]
المصدر