[ad_1]
وبمجرد انسحاب الجيش، خرج أنان وأشقر إلى الشوارع للاطمئنان على جيرانهم، إلا أنهما أصيبا بالصدمة من المشاهد المروعة. (جيتي)
لمدة سبعة أيام متتالية، لم يتمكن محمد عنان، وهو رجل فلسطيني من حي تل الهوى، من مغادرة منزله حيث حاصرت الدبابات الإسرائيلية الشارع الذي يسكن فيه، في حين ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية القنابل على المنازل المجاورة.
وقال الأب لخمسة أبناء (45 عاماً) لـ«العربي الجديد»: «الهجوم العسكري المفاجئ على حي تل الهوى والمنطقة الصناعية لم يسمح لي بالفرار مع عائلتي، خاصة أن الدبابات كانت متمركزة بالقرب من باب العمارة التي أسكن فيها، كنت عالقاً بين فكي الموت، وسواء بقيت في المنزل أو حاولت الهرب فإن الجيش سيستهدفنا حتماً، قررت البقاء مع عائلتي في المنزل مهما حدث».
وتذكر أنان أن الوضع الأمني أصبح كارثيا خلال المساء، حيث قال: “لم يتوقف القصف الإسرائيلي ولو لثانية واحدة، وكانت أصوات الدبابات تجوب كل مكان (…) كنت أسمع جنود الاحتلال الإسرائيلي يقتحمون المنازل، وصراخ الجيران طلبا للمساعدة قبل أن يفتح الجيش النار ويقتلهم”.
وأضاف “في كل لحظة كنت أشعر أن دورنا في الموت سيأتي لا محالة، لم تعد أصوات الناس التي اعتدت سماعها بين الحين والآخر موجودة (…) ساد الصمت الجميع وكأن النوم خيم على الحي بأكمله، بينما كانت رائحة الدخان تسيطر طوال الوقت (…) كنا نستنشق الدخان بدلا من الهواء”.
ولجأ عنان وعائلته إلى صالة شقته في الطابق الثاني، باعتبارها مكاناً آمناً، خاصة أنها بعيدة عن النوافذ، وبعيدة أيضاً عن الشرفات، الأمر الذي جعلهم بعيدين عن أنظار جنود الاحتلال.
لكن الخوف الحقيقي بالنسبة لعنان كان عندما سمع أصوات الكلاب البوليسية تركض في الطابق السفلي من المبنى الذي كان يعيش فيه، وكأنها تبحث عنه أو عن أي من جيرانه.
وأضاف “في تلك اللحظة بالذات، صليت كثيرا وطلبت من الله أن ينقذنا (…) كانت هناك مشاهد صعبة تدور في ذهني، ولم أكن أريد أن أرى الكلاب تمزق لحم أطفالي أمام عيني؛ لم أستطع أن أتحمل هذا”.
لحظات، دقائق، وربما ساعات، لكن بالنسبة لعنان، كانت بمثابة حياة كاملة من المعاناة. يقول: “هنا لا يمكنك اتخاذ أي قرار حكيم أو منطقي. الجيش الإسرائيلي لا يمنحنا فرصة الاختيار. قررت أنه إذا وصل الجيش إلينا، سأطلب من الجنود إعدامنا على الفور دون ترك طعام للكلاب المفترسة”.
وفجأة، لم يعد يسمع أي أصوات قادمة من المبنى الذي يقطن فيه، بل كان ذلك بمثابة بصيص أمل في النجاة، وهو ما دفعه إلى عدم إشعال أي أضواء ووضع هاتفه المحمول على وضع الصامت، في حين كانت زوجته تحاول بهدوء الوصول إلى المطبخ لإعداد بعض الساندويتشات لأطفالها الصغار.
وأضاف “بقينا على هذه الحالة ستة أيام متواصلة حتى شعرنا أن عظامنا تحجرت من قلة الحركة وألسنتنا تجمدت من صمتنا الدائم، ولم يكن هناك شيء سوى رائحة الموت التي كانت تملأ المكان”.
وواجه محمد الأشقر، أحد سكان حي تل الهوى، وتحديداً بالقرب من دوار المالية الرابط بين شارع الصناعة ودوار أبو مازن، تجربة مماثلة، حيث حوصر هو أيضاً في شقته التي احترق نصفها خلال قصف إسرائيلي سابق.
وقال لـ”وكالة أنباء طنجة” الرسمية: “كان بإمكاني الفرار، ولكنني رفضت النزوح مرة أخرى، فلا يوجد مكان آمن لنا في غزة (…) كل المناطق تحت العدوان الإسرائيلي، وليس لدينا أي قوة أو حول أو قوة إلا انتظار مصيرنا مهما كان، حتى لو متنا”.
واضطر الأشقر إلى المخاطرة بحياته مع نحو 20 فرداً آخرين من عائلته وأقاربه، معظمهم من الأطفال، حيث ظلوا في منزل بالكاد يوفر لهم الحماية.
وأضاف “كنا نسمع أصوات اشتباكات مسلحة بين الجيش والمقاتلين الفلسطينيين طيلة الوقت، لكننا لم نستطع إصدار أي صوت خوفاً من أن يكتشف الجيش وجودنا داخل المنزل”.
وفي محاولة لتوثيق ما يحدث لهم، سجل الأشقر أصوات الانفجارات والدبابات والجيبات العسكرية المتواجدة في حيه بين الحين والآخر، على الرغم من الخطر الذي يهدد حياته.
وأضاف “كل ما أردته هو أن تبقى أدلة الجرائم التي ارتكبها الجيش على هاتفي المحمول (…) إذا قتلنا يمكن للآخرين أن يعرفوا ما حدث لنا من خلال هاتفي والفيديوهات التي وثقتها”.
انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، من مناطق تل الهوى وشارع الصناعة في مدينة غزة، بعد أسبوع من العدوان العسكري الذي شمل توغلات برية وقصف مكثف.
وتوجهت فرق الدفاع المدني إلى المناطق التي انسحب منها الإسرائيليون لانتشال جثث القتلى ومعالجة الأحياء بعد أن أصبح من المستحيل دخول تلك المناطق أثناء تواجد الجيش الإسرائيلي فيها.
وبمجرد انسحاب الجيش، هرع أنان وأشقر إلى الشوارع للاطمئنان على جيرانهم، لكنهما صدما بالمشهد المروع، حيث كانت عشرات الجثث لمعارفهما ملقاة في الشوارع، بعضها أكلته الكلاب الضالة، وبعضها الآخر متحلل.
وقال عنان لوكالة الأنباء الرسمية (ت.ن.أ) إن أصعب مشهد شاهده هو جاري المسن من عائلة الديب الذي أعدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي وتركه ملقى في الشارع حيث تحللت جثته.
“بكيت عليه كثيرا، كان يشجعني على الصمود والبقاء في منزلي وعدم السماح للاحتلال بتهجيرنا (…) كيف مات بهذه السهولة؟”، يقول بهدوء.
كما تأثر الأشقر عندما رأى حجم الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال الإسرائيلي في المكان، والذي أدى إلى محو معظم الحي.
وأضاف “خلال العمليات الإسرائيلية السابقة كانت بعض المنازل قائمة، أما الآن فكل شيء دمر (…) وهذه رسالة واضحة من الجيش بأنه لا يريد عودة غزة مرة أخرى”.
من جهته، قال الدفاع المدني الفلسطيني إن طواقمه تمكنت من انتشال نحو 60 جثماناً لفلسطينيين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي من حي تل الهوى وأطراف حي الصبرة في مدينة غزة.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل لوكالة الأنباء الرسمية إن عدد القتلى في منطقة تل الهوى وشارع الصناعة بلغ نحو 60 قتيلاً، مشيراً إلى أن هذا العدد مرشح للارتفاع، حيث “تناثرت جثث العشرات من الشهداء في الأزقة وداخل المنازل، واستشهدت عائلات بأكملها في شارع الصناعة بعد انسحاب جيش الاحتلال”.
وأضاف بصل أنه تم العثور على جثث متفحمة ومنازل محترقة بالكامل في تل الهوى ومنطقة الصناعة، مؤكداً أن جيش الاحتلال قتل المواطنين الذين ذهبوا للحصول على مواد غذائية من المنطقة.
وأكدت دائرة الدفاع المدني أن جيش الاحتلال أضرم النيران في منازل ومنشآت قبل انسحابه من المنطقة، ودخلت طواقمها إلى المنطقة التي انسحب منها الاحتلال سيرا على الأقدام نظرا لتدمير البنية التحتية.
وأشار شهود عيان إلى أن مئات الوحدات السكنية تعرضت للحرق والتدمير في حي تل الهوى ومنطقة الصناعة على يد قوات الاحتلال، فيما لا يزال قناصة الاحتلال ينتشرون في المناطق المحيطة بالدوار المالي في حي تل الهوى.
وقبل أن ينسحب جيش الاحتلال من المنطقة، أفادت وسائل إعلام فلسطينية أيضاً أن قوات الاحتلال فجرت مباني سكنية في حي تل الهوى، جنوب غرب مدينة غزة.
[ad_2]
المصدر