[ad_1]
في حين لا تزال حادثة تصادم قطاري الشرقية قيد التحقيق، تزايدت المخاوف بشأن سلامة السكك الحديدية في مصر. (جيتي)
إن حادث تصادم قطاري ركاب في شمال مصر نهاية الأسبوع الماضي ألقى الضوء على السجل السيئ للحوادث المميتة على السكك الحديدية التي شهدتها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان على مدى عقود.
وبينما لا تزال الحادثة الأخيرة قيد التحقيق، تزايدت المخاوف بشأن تدهور أوضاع القطاع وأولويات الإنفاق الحكومية.
على مدى عقود من الزمن، ظلت الحكومات المصرية المتعاقبة تزعم أن السكك الحديدية في البلاد تتكبد خسائر مالية، الأمر الذي جعلها مترددة في الاستثمار في القطاع.
في مايو/أيار 2017، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه سيمتنع عن تطوير القطاع. وقال خلال مناسبة عامة بثتها محطات التلفزيون: “بدلا من استثمار 10 مليارات جنيه (على سبيل المثال) في تطوير السكك الحديدية، أفضل أن أودع هذه الأموال في أحد البنوك وأحصل على فائدة مليار جنيه (سنويا)”، كما دعا إلى زيادة أسعار تذاكر القطارات.
وبعد ثلاثة أشهر تقريبا، وقع حادث تصادم مروع بين قطارين بالقرب من مدينة الإسكندرية على البحر الأبيض المتوسط، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصا وإصابة أكثر من 130 آخرين، العديد منهم في حالة خطيرة، مما أثار احتجاجا شعبيا، ودفع الحكومة إلى التراجع عن موقفها السابق.
تم إدخال السكك الحديدية إلى مصر لأول مرة في عام 1851 في عهد الخديوي عباس الأول، مما جعل البلاد الأولى في المنطقة والثانية في العالم بعد المملكة المتحدة التي لديها هذه الخدمة. ويعتقد أن الكثير من البنية التحتية للقطاع تعود إلى تلك الحقبة.
“قد يبدو للوهلة الأولى أن الحكومة حاولت تطوير قطاع السكك الحديدية من خلال إدخال قطارات حديثة ومكيفة الهواء. ولكن الخدمات المتواضعة المقدمة للمصريين العاديين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف تذاكر مثل هذه المرافق لا تزال مهملة”، هذا ما قاله مصدر داخل نقابة عمال السكك الحديدية الموازية المجمدة الآن.
وقال المصدر لـ«العربي الجديد»، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: «تغاضت هيئة السكة الحديد المصرية عمداً عن مئات القطارات القديمة التي يستخدمها الفقراء، والدليل على كلامي أن كل القطارات التي وقعت فيها الحوادث والاصطدامات تقريباً أثبتت أنها متهالكة وعفا عليها الزمن».
وأضاف أنه “لم يتم تقديم أي دعم فني أو صيانة مناسبة لهذه القطارات منذ سنوات، ورغم ذلك فهي لا تزال تعمل”.
واتفق عامل آخر في السكك الحديدية، والذي طلب أيضًا عدم الكشف عن هويته لأسباب مماثلة، مع زميله.
وأشار إلى أن “الهيئة تتجاهل شكاوى العمال من تردي حالة مسارات القطارات والسيارات وأجهزة الاتصالات التي تتعرض لأعطال متكررة”.
وأضاف العامل لوكالة الأنباء التونسية “الله وحده هو الذي ينقذ أكباد الآلاف من الركاب والعمال الذين يستقلون مثل هذه القطارات كل يوم من التهديدات القاتلة”.
وقال العامل وهو يتنهد: “نحن من ندفع ثمن الفساد (المزعوم) وإهمال المسؤولين الحكوميين، الذين عادة ما يعلقون أي حادث على العمال والسائقين والمهندسين، بينما يتجاهلون العوامل الفنية الأخرى وفشلهم في القيام بواجباتهم”.
وفي السنوات الأخيرة، أدى تكرار مأساة السكك الحديدية إلى تحميل العديد من المصريين الوزير مسؤولية تدهور أوضاع القطاع في البلاد، مطالبين إياه بالاستقالة.
ومع ذلك، في يوليو/تموز من هذا العام، تولى الوزير، وهو ضابط عسكري كبير سابق معروف بولائه للرئيس عبد الفتاح السيسي، أدوارا إضافية كوزير للصناعة ونائب لرئيس الوزراء، على الرغم من كل الصعوبات.
ثقافة كبش الفداء
ولعل الحادث الذي وقع الأسبوع الماضي في الزقازيق، عاصمة محافظة الشرقية، وأسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة ما يقرب من خمسين آخرين، قد عكس ثقافة الإنكار الرسمي والبحث عن كبش فداء.
وفي لقاء مع قناة إكسترا نيوز بعد الحادث بقليل، نفى وزير المواصلات كامل الوزير أن يكون الحادث ناتجا عن خلل فني محتمل، وألقى باللوم على ما وصفه بـ«خطأ بشري» أثناء تفقده مكان الحادث، دون الخوض في تفاصيل أخرى.
ولعل أفظع حادث قطار في تاريخ مصر الحديث هو الذي وقع في فبراير/شباط 2002 عندما أحرق 361 راكباً، معظمهم من المصريين الفقراء، أحياء.
اندلعت النيران في قطار يحمل حمولته المزدوجة، فيما أطلق عليه “حادثة قطار جنوب مصر”، بعد فشل الركاب في الهروب من الشاحنات المشتعلة.
وكما حدث في حادث التصادم الذي وقع هذا الشهر، نفى رئيس الوزراء آنذاك عاطف عبيد في تصريحات أدلى بها إلى الصحفيين من موقع الحادث أي إهمال أو عدم اتخاذ احتياطات السلامة أو وجود عيوب فنية قبل إجراء تحقيق أولي.
مثل 11 مسؤولاً كبيراً في هيئة السكك الحديدية أمام المحكمة، ولكن تمت تبرئتهم لاحقاً لعدم كفاية الأدلة. واستقال وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية لإنقاذ ماء الوجه.
ومع ذلك، بعد مرور 22 عاما، لم تتم محاسبة أي مسؤول قانونيا عن فقدان الأرواح في ذلك اليوم.
“لا مكان للفقراء”
وقد دفع تكرار مثل هذه الحوادث الناشطين ومنتقدي الحكومة إلى التشكيك في قيمة المشاريع الضخمة التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات والتي تستهدف في الغالب الطبقات الاجتماعية الغنية والمتوسطة العليا في بلد يعيش ما يقرب من ثلث سكانه البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تحت خط الفقر ويعاني بالفعل بشدة من أزمة اقتصادية.
ودافع السيسي مرارا وتكرارا عن سياساته المثيرة للجدل المتمثلة في إطلاق مشاريع فخمة باعتبارها ضرورية لتنمية البلاد، وحث المصريين على تحمل الصعوبات الاقتصادية.
ومن بين المشاريع التي تنفذها مصر مشروع مونوريل القاهرة، الذي يمتد عبر 35 محطة على طول 96 كيلومترًا، ويربط القاهرة بمحافظات الجيزة، بتكلفة دافعي الضرائب نحو 5 مليارات دولار أميركي. ومن المتوقع أن يكون أطول شبكة مونوريل بدون سائق في العالم، ويُعتقد أنه أضاف إلى العبء المالي الذي تعاني منه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
ومن بين المشاريع المثيرة للجدل مشروع القطار الكهربائي فائق السرعة، والذي من المقرر أن يبدأ تشغيله التجريبي في الربع الأول من عام 2026. وسوف يمتد خط السكة الحديدية الكهربائي من منتجع العين السخنة على البحر الأحمر إلى مدينة العلمين الجديدة – الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط - ويمر عبر العاصمة الإدارية الجديدة، شرقي القاهرة.
وقال ناشط سياسي بارز طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية لوكالة أنباء تونس العربية: “إن شبكة السكك الحديدية التقليدية تشكل وسيلة رئيسية للسفر بالنسبة لملايين المصريين. ولكن الأولويات المشكوك فيها التي وضعتها الحكومة في الآونة الأخيرة تعكس نوعا من التمييز الاجتماعي بسبب الاهتمام بوسائل النقل الباهظة والسفر التي من المتوقع أن تكون بعيدة عن متناول المواطنين العاديين”.
واختتم الناشط قائلا: “يبدو الأمر وكأن لا مكان للفقراء في ‘الجمهورية الجديدة’ التي ينادي بها السيسي”.
[ad_2]
المصدر