[ad_1]
منذ أكثر من أربعة أشهر والعالم يراقب بصدمة إسرائيل وهي تذبح وتشوه وتجوع وتعذب وتذل الفلسطينيين في غزة.
بالنسبة لنا، نحن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، فإن مشاهدة هذا الرعب كانت مؤثرة بشكل خاص. كل قصة، كل نداء، كل ما يتكشف يتردد صداه مع أصداء الروايات التي سمعناها منذ سنوات من آبائنا وأجدادنا وجيراننا وأهالي أصدقائنا عما عاشوه خلال نكبة عام 1948، عندما تم تطهيرهم عرقياً من وطنهم. . وبالتالي، فإن كل شهادة نسمعها تزيد من ثقل الشهادة بما يتجاوز المشاهد المروعة المباشرة التي تنطلق يوميًا من غزة.
نشأت في مخيم البقعة للاجئين في الأردن، حيث استقرت والدتي وجدتي في عام 1970 بعد تعرضهما لعمليات نزوح متعددة منذ النكبة. بدأت محنتهم بالطرد من قريتهم، عراق المنشية، على بعد 30 كيلومترا (18.6 ميلا) شمال غزة، في أبريل/نيسان 1949. وبعد حصار دام 10 أشهر من قبل ميليشيا الهاغاناه اليهودية، أُمر الناس “بالانتقال مؤقتا”. إلى منطقة قريبة من مدينة الخليل، المعروفة الآن بمخيم العروب، ولم يُسمح لهم بالعودة مطلقًا.
وبسبب أحداث حرب 1967، اضطروا مرة أخرى إلى النزوح، وهذه المرة إلى مخيم الكرامة في الأردن. وفي عام 1968، تم نقلهم إلى مخيم الشونة بالقرب من مدينة الزرقاء في الأردن قبل أن ينتقلوا إلى البقعة بعد ذلك بعامين.
كان جيلي محاطًا بأشخاص يحملون ذكريات حية عن حياة ما قبل عام 1948 والأحداث المروعة للنكبة من عام 1947 إلى عام 1949. وقد أصبحت هذه الروايات لوحة أحاول من خلالها فهم الآثار العميقة للفظائع التي ارتكبت في غزة ضد الفلسطينيين.
كانت المحادثات داخل المخيم ترجع باستمرار إلى الماضي، حيث يتم قياس كل جانب من جوانب الحياة اليومية على خلفية أوقات ما قبل النكبة. وروى كبار السن خسائرهم، ورحلات المنفى المؤلمة، والصدمة العميقة التي تعرضوا لها، والشعور المستمر بالظلم في قلوبهم.
بالنسبة لنا، نحن جيل الشباب، لم يكن الأمر يتعلق فقط بسماع الأحداث التاريخية؛ لقد كانت تجربة عميقة للعيش جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين شهدوا وتحملوا بشكل مباشر الفظائع التي ارتكبت في تلك الفترة المضطربة. لقد شكل ثقل ذكرياتهم وخسائرهم ونضالاتهم المستمرة فهمنا للهوية وأذكى السعي لتحقيق العدالة.
أصبحت بعض القصص روايات دائمة داخل المخيم، ويمكن إعادة سردها بسهولة وتناقلها عبر الأجيال، خاصة تلك المتعلقة بالمقاومة. ومع ذلك، كانت هناك قصص نادرًا ما ظهرت على السطح أو تم إخفاؤها عمدًا، خاصة عن الغرباء والباحثين الذين زاروا المخيم بشكل متقطع لتوثيق الروايات.
ومن بين القصص المخفية تلك التي تنطوي على التجارب المؤلمة للمجاعة القسرية، وحالات العنف الجنسي التي ارتكبتها ميليشيا الهاغاناه اليهودية ضد الرجال والنساء على حد سواء، والسرديات المؤلمة للأمهات اللاتي تركن أطفالهن خلفهن وسط القصف.
تم سرد القصص الأخيرة، إذا تم استئنافها لاحقًا من خلال لم الشمل المحظوظ بين الوالدين والطفل، مع شعور معين بالفخر للقوة المعروضة. بالنسبة لأولئك الذين لم يعرفوا أبدًا مصير أطفالهم وأحبائهم الآخرين، كانت هذه القصص مؤلمة جدًا لدرجة أنه لم يتم التحدث عنها في محاولة لإخفاء الشعور الشديد بالخسارة والذنب.
ومع ذلك، كانت روايات الجوع هي التي حملت الثقل العاطفي الأكثر عمقًا. عندما تُروى هذه القصص، غالبًا ما تتخللها عبارة مؤثرة، “أدعو الله ألا يعيش هذه الأيام أو يعيشها أحد أبدًا، سواء كان صديقًا أو عدوًا”.
ومما زاد من الألم في هذه القصص الشعور الكامن بالعار. وفي مجتمع كان ماهراً في فن إنتاج الغذاء، كان تذكر المجاعة يمثل تنافراً ــ خروجاً صارخاً عن القوة وسعة الحيلة التي ميزت تراثهم.
ولم تعكس ذكرى المجاعة القسرية الحرمان الجسدي فحسب، بل انعكست أيضًا خروجًا عميقًا عن الاكتفاء الذاتي الذي ميز تاريخهم. كانت الزراعة أينما ذهبوا بمثابة عمل مهم للفلسطينيين، ليس فقط لمنع تكرار هذه المعاناة، ولكن أيضًا لاستعادة الشعور بالكرامة والاكتفاء الذاتي لشعب كان يزدهر ذات يوم بفضل قدرته ليس فقط على إنتاج لقمة العيش بل أيضًا على معالجة الغذاء. -الصنع كفن.
وبينما كنت أقرأ تقارير من غزة عن أناس يعانون من المجاعة القسرية – غير قادرين على تأمين الدقيق للخبز، ويكافحون من أجل إعداد وجبة لائقة لتغذية أسرهم، ويفقدون أطفالهم بسبب الجوع – كانت نظرة جدتي وتعبيراتها المؤلمة وهي تروي الأيام اليائسة المجاعة تتبادر إلى الذهن باستمرار.
فرضت ميليشيا الهاغاناه حصارًا على قريتها في الفترة من يونيو 1948 إلى أبريل 1949 تقريبًا. خلال هذا الوقت، قُتل أو اختفى قسريًا أولئك الذين تحدوا الحصار وحاولوا جلب الإمدادات إلى القرية؛ وكان أحدهم جدي الذي اختفى ولم يسمع عنه أحد مرة أخرى.
ولم يقتصر الأمر على عدم دخول الإمدادات إلى القرية فحسب، بل تعمد مقاتلو الهاغاناه أيضًا تدمير مخازن المواد الغذائية وذبح الأبقار والأغنام وإحراق حقول القمح وبساتين العنب والتفاح والمشمش. إن ذكرياتي عن وجه جدتي وهي تروي هذه الصعوبات تصبح نافذة على المشاعر التي تصاحب النضال من أجل البقاء – مشاعر اليأس والعجز، والثقل الساحق للمسؤولية عن إعالة الأحباء.
من خلال هذه الذكريات، ألقي نظرة على الواقع القاسي الذي يواجهه الفلسطينيون المحاصرون في غزة، حيث أصبح العمل البسيط المتمثل في تأمين المواد الغذائية الأساسية تحديًا هائلاً.
ولكن عندما أتأمل في تجارب جدتي، لا أستطيع أن أختصرها في يأسها؛ وهذا لن ينصفهم. أثناء الحصار على قريتها، لعبت جدتي دورًا محوريًا في مقاومة أساليب التجويع التي تتبعها ميليشيا الهاغاناه.
لقد قادت المعركة ضد المجاعة من خلال اختراع وجبات جديدة من كل ما هو متاح، وهي حقيقة شاركتها بفخر في حساباتها. من خلال تجربتها مع المجاعة والجهود الحثيثة لمكافحتها، فإن قصة جدتي لا تلخص فقط معاناة الفلسطينيين في عام 1948 والوحشية التي أجبرتهم على مغادرة منازلهم، ولكن أيضًا الإرادة التي لا تقهر لتحدي تلك الشدائد والتغلب عليها.
مثل جدتي، يعاني الفلسطينيون في غزة ويتحملون الوحشية، لكنهم يظهرون أيضًا قدرتهم المميزة على مقاومة تكتيكات إسرائيل المتمثلة في التجويع والتشريد والتدهور.
بينما نتنقل عبر القصص المأساوية القادمة من غزة، تتكشف حياة الفلسطيني كمفارقة – توازن دقيق بين المعاناة المستمرة وتجسيد المقاومة الصامدة. هذه التجربة المزدوجة تتناغم مع الأبيات الجميلة في قصيدة محمود درويش ونحن نحب الحياة: «ونحن نحب الحياة إذا وجدنا لها طريقا. نرقص بين الشهداء ونرفع مئذنة البنفسج أو النخل”.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
[ad_2]
المصدر